الأحد، 25 أكتوبر 2015

من آداب البحث والمناظرة


عطاء بن أبي رباح من سادات التابعين يغضب إذا اعترض رجل رجلا وهو يحدث بحديث

قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: حدثني مهدي بن ميمون، قال: حدثني معاذ بن سعيد الأعور، قال: كنا عند عطاء فحدَّث رجل بحديث، فاعترضه رجل، فغضب عطاء فقال: "ما هذه الأخلاق؟!، ما هذه الطباع؟!، والله إن الرجل ليحدث بالحديث لأنا أعلم به منه ولعسى أن يكون سمعه مني فأنصِتُ إليه وأريه كأني لم أسمعه قبلَ ذلك". قال عمرو بن عاصم: فحدثت بهذا الحديث عبد الله بن المبارك فقال: لا أنزع نعلي حتى أذهب إلى مهدي بن ميمون فأسمعَه منه.


الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

حديث "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء"

 بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين
ـ هذا الحديث رواه النسائي في السنن الكبرى والطحاوي في مشكل الآثار وابن حبان والطبراني في الدعاء وابن السني والبيهقي في الأسماء والصفات وكذا عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبزار بنحوه، من طرق عن أنس بن عياض عن أبي مودود عن محمد بن كعب عن أبان بن عثمان بن عفان عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم فقالها حين يمسي لم تفجأه فاجئة بلاء حتى يصبح، وإن قالها حين يصبح لم تفجأه فاجئة بلاء حتى يمسي".
[أنس بن عياض مدني صدوق ثقة فيه لين مات سنة 200. أبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان مدني ثقة. محمد بن كعب القُرظي مدني ثقة مات سنة 118. أبان بن عثمان بن عفان مدني ثقة مات سنة 86 أو قبلها وقيل سنة 102. عثمان بن عفان رضي الله عنه قتل سنة 35].
أبان بن عثمان نفى الإمام أحمد سماعه من أبيه، ولكنه صرح بسماعه من أبيه في حديث "لا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح"، كما في صحيح مسلم، فالظاهر أنه أدرك أباه وهو صغير وسمع منه قليلا.
والحديث رواه ابن أبي شيبة عن زيد بن الحباب العكلي، ورواه أبو داود والنسائي في الكبرى بنحوه عن عبد الله بن مسلمة، قالا: حدثنا أبو مودود قال حدثني من سمع أبان بن عثمان قال حدثني أبي عثمان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال إذا أصبح وإذا أمسى ثلاث مرار بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يصبه في يومه ولا في ليلته شيء".
ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن أبي مودود أنه قال: "حدثني رجل عن رجل أنه سمع أبان بن عثمان". ورواه ابن أبي حاتم في علل الحديث عن أبيه عن حماد بن زاذان عن عبد الرحمن بن مهدي بنحوه. [حماد بن زاذان وثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان].
ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عصام بن عبد المجيد الأصبهاني قال حدثنا أبو عامر العقدي قال حدثنا أبو مودود قال: "حدثني رجل قال حدثني من سمع أبان بن عثمان قال سمعت عثمان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم". [أحمد بن عصام بن عبد المجيد الأصبهاني ثقة ولد سنة 185 تقريبا وات سنة 272. أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو بصري ثقة مشهور مات سنة 204].
وروايات زيد بن الحباب وعبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر العقدي بخلاف رواية أنس بن عياض مما يوهنها ويعلها، لأن تلك الروايات تجعل الحديث عن مبهم وليس عن محمد بن كعب.
ونقل أبو حاتم الرازي في كتاب العلل عن عبد الرحمن بن مهدي أنه أنكر أن يكون الحديث عن محمد بن كعب القرظي وقال: أملى علي أبو مودود: "حدثني رجل عن رجل أنه سمع أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وخلاصة الحال في هذا الطريق أنه معلول بإبهام أحد الرواة في سلسلة الإسناد، وقد أعله بهذا أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني، ولكنه يتقوى بطريق ابن أبي الزناد عن أبيه، كما سيأتي.
ـ والحديث رواه عبد بن حميد والنسائي في الكبرى من طريقين عن ابن أبي فديك عن يزيد بن فراس عن أبان بن عثمان عن عثمان به. [يزيد بن فراس مجهول].
ـ ورواه ابن حنبل عن سُريج بن النعمان، والدولابيُّ في الكنى والأسماء من طريق داود بن عمرو الضبي، وابنُ فيل في جزئه من طريق داود بن منصور ويحيى بن الطباع، والخرائطيُّ في مكارم الأخلاق من طريق سعد بن عبد الحميد، خمستهم عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم به، ولفظه "من قال في أول يومه أو في أول ليلته بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضرَّه شيء في ذلك اليوم أو في تلك الليلة".
[سُريج بن النعمان بغدادي صدوق ثقة مات سنة 217. داود بن عمرو الضبي بغدادي ثقة مات سنة 228. داود بن منصور نسائي سكن بغداد صدوق ثقة فيه لين مات سنة 223. يحيى بن الطباع كذا ولعله محمد بن عيسى بن نجيح ابن الطباع، فقد ذكر المزي ابنَ أبي الزناد في شيوخه، وهذا بغدادي ثقة ربما دلس الإسناد ومات سنة 224. سعد بن عبد الحميد بن جعفر مدني سكن بغداد صدوق فيه لين قيل مات سنة 219. عبد الرحمن بن أبي الزناد مدني وثقه جماعة وضعفه جماعة، فهو صدوق فيه لين، حديثه بالمدينة مقارب وببغداد مضطرب، ومات سنة 174. أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مدني ثقة مات سنة 131].
ورواه أبو داود الطيالسي ـ ومن طريقه البخاري في الأدب المفرد والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه والطحاوي في مشكل الآثار ـ عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم أو مساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم إلا لم يضرَّه شيء". ورواه الحاكم عن أبي بكر بن أبي نصر الداربردي ـ وهو محمد بن أحمد بن محمد بن حاتم كما حققه الشيخ نايف بن صلاح المنصوري ـ عن أحمد بن محمد بن عيسى القاضي البرتي عن عبد الله بن مسلمة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد به نحوه.
ـ والحديث بمجموع طرقه لا ينزل عن مرتبة الحسن، باللفظ الذي جاء في الروايات المتعددة المذكورة في صدر هذا البحث.
وأما الرواية التي جاءت بلفظ "في صباح كل يوم أو مساء كل ليلة" فهي غير ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 29/ 12/ 1436، والحمد لله رب العالمين.

الاثنين، 12 أكتوبر 2015

حديث "لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها"

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين.
ـ هذا الحديث رواه ابن حنبل والبغوي وابن قانع كلاهما في معجم الصحابة عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن الوليد بن المغيرة المعافري عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش".
[زيد بن الحباب كوفي ثقة فيه لين مات سنة 203. الوليد بن المغيرة بن سليمان المعافري مصري صدوق مات سنة 172. عبد الله بن بشر الخثعمي كوفي روى عنه شعبة والسفيانان وغيرهم وذكره ابن حبان في الثقات].
هذا الإسناد فيه مشكلة مما يشير إلى احتمال كبير في وجود خلل فيه، وهي رواية كوفي عن مصري عن كوفي!، ومثل هذا لا يجيء ـ حسبما وقفت عليه ـ في الروايات المستقيمة، وسيتبين الحل بإذن الله بعد تمام تخريج الحديث.
ـ ورواه البخاري في التاريخ الكبير والأوسط والبغوي وابن قانع كلاهما في معجم الصحابة والطبراني في الكبير وابن منده في معرفة الصحابة والحاكم وأبو نعيم في معرفة الصحابة، من طريق أبي كريب محمد بن العلاء وعبدة بن عبد الله الصفار وعثمان بن أبي شيبة وأبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي، أربعتهم عن  زيد بن الحباب عن الوليد بن المغيرة المعافري عن عبيد أو عبيد الله بن بشر الغنوي عن أبيه مرفوعا به.
ـ يتبين من النظر في هذه الروايات:
أن أبا بكر بن أبي شيبة وهِم في تسمية شيخ الوليد بن المغيرة إذ سماه عبد الله بن بشر الخثعمي، فجاءت الرواية في مسند ابن حنبل وإحدى الروايات في معجم الصحابة للبغوي ولابن قانع مشتملة على هذا الوهَم.
وأن الصواب تسمية ذلك الراوي بعُبيد أو عبيد الله بن بشر الغنوي.
عبد الله بن بشر الخثعمي كوفي، وعبيد الله أو عبيد بن بشر الغنوي مصري، فقد قال أبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل: بشر الغنوي مصري. وقال: عبيد بن بشر الغنوي من أقران ابن لهيعة. وعبد الله بن لهيعة مصري مشهور.
وبهذا ينحل الإشكال الذي تقدمت الإشارة إليه، فهذا الإسناد ليس فيه رواية كوفي عن مصري عن كوفي، ولكنه من رواية كوفي عن مصري عن مصري، وهذا لا إشكال فيه.
وهذا الراوي عبيد بن بشر الغنوي ذكره ابن حبان في الثقات، ولم أجد راويا عنه سوى الوليد بن المغيرة، فالظاهر أنه مجهول، وقد صرح علي بن المديني بذلك فقال عن هذا الطريق: راويه مجهول. [تاريخ دمشق لابن عساكر: 58/ 36. تاريخ الإسلام للذهبي بتحقيق بشار عواد معروف في حوادث سنة 98: 2/ 1044].
فالحديث سنده شديد الضعف.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 27/ 12/ 1436، والحمد لله رب العالمين.